728X90

8:12 ص

المدير التنفيذي الذي نقل مستشفى “كليفلاند” الى القمة في ثلاث سنوات فقط

* كيف قفز مستشفى “كليفلاند” الى القمة في مسوحات رضى المرضى في ثلاث سنوات فقط
* من مستشفى متوسط الكفاءة الى واحد من أولى قبلات المرضى حول العالم – في ثلاث سنوات فقط !!
رغم امتلاك المستشفى سجلا طبيا عريقا منذ أولى سنوات افتتاحه في العام 1921 و احتوائه على العديد من التخصصات لعل من أهمها عمليات القلب المفتوح، و عمليات ترميم الوجه، و جراحة المخ و الأعصاب و غيرها من التخصصات البارزة، اضافة الى العديد من الاكتشافات العلمية ، توسع المستشفى في أوائل 1990 ليصبح أكبر مركز صحي غير ربحي في الولايات المتحدة الأمريكية، و يشمل 18 مركز موزع داخل الولايات المتحدة و خارجها مثل كندا، المملكة العربية السعودية، و أبو ظبي، و يضم 43,000 موظف
لم يكتف المدير التفيذي للمستشفى بذلك بل كان يبحث عن المزيد و المزيد فقام بمقارنة أداء المستشفى بمستشفيات شبيهة به حول العالم (حسب أحد المعايير العالمية للرعاية الطبية – Centers for Medicare & Medicaid services – CMS)، وجد أن مستشفاه لا يحتل أي مراتب على الاطلاق ! فقرر أنه يجب فعل شيء بالخصوص، و على مدار ثلاث سنوات (من 2009م الى 2012م) قفز المستشفى الى القمة في مسوحات مدى رضى المرضى عن المستشفى و الخدمات التي يقدمها.
أصبح المدراء التنفيذيون للمستشفيات حول العالم يتوافدون اليوم على مستشفى كليفلند لدراسة الحالة ليتعلموا كيف تغير المستشفى. أما بالنسبة للدروس المستفادة من المستشفى فيمكن تطبيقها على المستشفيات كما الشركات الخاصة التي تقدم خدمات للزبائن، لأن التغيير الذي حصل في مستشفى كليفلند لم يكن طبيا و انما كان إداريا بامتياز.
Capture2
الاجراءات التي تم اتخاذها لتطوير المستشفى يمكن لأي مؤسسة عامة أو خاصة أن تقوم بها، حيث جعل المدير التنفيذي للمستشفى من “خدمة المرضى” جعل منها “أولوية استراتيجية له” و قام بتعيين الدكتور “جيمس مورلينو” – أخصائي جراحة الأمعاء – لقيادة العملية.
تحديد الوضع الراهن و تقييمه بعمق …
كانت هذه أولى الخطوات التي قام بها “مورلينو” و ذلك بعمل مسوحات و دراسات معززة بإفادات المرضى، استطاع في النهاية تحديد احتياجات المرضى بدقة، و في أولى اجتماعاته مع طوقم المستشفى أوضح للجميع (أطباء – ممرضين – اداريين – طباخين و عمال نظافة و غيرهم) أنهم جميعهم مشتركين في خدمة المرضى حتى و ان كان بعضهم لا يحتك اطلاقا بالمرضى الا أنه أشرك الجميع في المسؤولية و أوضح للجميع أن استراتيجية المستشفى اليوم هي تقديم خدمات أفضل للمرضى بجانب الخدمات الطبية.
مع ميزانية واسعة و مرنة و فريق متفرغ لهذه المهمة، لتغيير طريقة تفكير الجميع قام “مورلينو” و فريقه بما يلي كأولى خطوات التغيير:
1. تطوير و تطبيق عمليات إدارية جديدة.
2. أنشأ مقاييس جديدة
3. أنشأ فريق لمراقبة الأداء
4. اتصالات مكثفة و دورية بالمرضى – لتسجيل أكبر قدر من الملاحظات و التوصيات
على بساطة الخطوات السابقة الا أنها أعمق مما تبدو عليه للوهلة الأولى، و احتاجت جهود كبيرة لتحقيقها و بالأخص الخطوة الأولى و الثانية، هذه الخطوات ليست علما جديدا و لكنها كانت كفيلة بتغيير الطريقة التي يقدم المستشفى بها خدماته. في تلك الفترة أبدى العديد من الأطباء تخوفهم من التغييرات الجديدة و أنها قد تؤثر سلبا على معايير الجودة و السلامة الطبية، إلا أن ما حدث هو العكس تماما، إذ أظهرت الأرقام أن معدلات الجودة و السلامة ارتفعت بشكل ملفت اضافة الى جودة العناية بالمرضى
علوم “تطوير و تطبيق العمليات الإدارية في المؤسسات” أو “هندسة العمليات” هي من العلوم التي تعنى بتطوير سير العمل في المؤسسات و تنظيم العلاقات بين الادارات للوصول لأعلى كفاءة بأقل التكاليف – سأفرد لهذه العلوم مقالات عديدة في المستقبل بإذن الله حيث أنها أحد اختصاصات عملي اليوم.
و لكن تبقى مشكلة أغلب المستشفيات حول العالم أنها لا تهتم إلا بالجوانب الصحية للمريض، و تغفل العديد من الأمور الأخرى لعل أهمها الجوانب النفسية للمريض اضافة الى “الحجوزات و المواعيد”، “توفير بيئة مريحة”، “التعامل مع مخاوف المرضى و اهتماماتهم” في فترة وجودهم في المستشفى، هذه النقاط و نقاط أخرى عديدة تنقص من تقييم المرضى لهذه المستشفيات.
دعوني الأن أتكلم عن أحد أهم أعمدة التغيير في هذا المستشفى و أختم به هذا الجزء من المقال
في العام 2007 تبنى المستشفى نموذجا إداريا جديدا تاركا وراءه الهيكلية الادراية التقليدية التي تعمل بها أغلب المستشفيات حول العالم حتى اليوم (المبنية على تقسيم الأطباء حسب تخصصاتهم). يعتمد النموذج الجديد على الهيكلية العمودية “بمعنى أن يتم تجميع كل الفرق المختصة لعلاج عضو واحد في جسم الانسان في فريق واحد” فعلى سبيل المثال فانه لعلاج مرضى القلب يوجد فريق كامل لعلاج كل ما يتعلق بمرضى القلب يضم جراحي القلب و أطباء القلب، و أطباء الأوعية الدموية و الشرايين على أن يعاين المريض كل من أطباء القلب و الجراحين في نفس الوقت لتنسيق العلاج. يتيح هذا النموذج تواصل مستمر بين جميع الاطباء على اختلاف تخصصاتهم اضافة الى توحيد جهودهم من أجل علاج أفضل.
و كمثال أخر : لعلاج كسور العظام أو الحوادث بشكل عام فانه يتم تشكيل فريق من أطباء العظام و الجراحة و فنيي تصوير الأشعة و الجبس لتنسيق علاج للمريض، و بعبارة أخرى أصبح تشكيل الفرق الطبية في المستشفى قائم على أساس علاج العضو المصاب و ليس على أساس التخصص. و هذا شكل فرق جوهري في تقديم الخدمة للمرضى حيث أصبح المريض يتلقى رعاية طبية متكاملة من مجموعة مختلفة من الاطباء و الممرضين و الفنيين في نفس الوقت، (مع ملاحظة أن فنيي تصوير الأشعة يعملون ضمن أكثر من فريق لعلاج أكثر من عضو مثل العظام و الرئتين و الأمعاء – و نفس الشيء بالنسبة لباقي الأطباء فانهم يعملون في أكثر من فريق)
metrics
و لكن هذا التغيير لم يكن كافيا لوصول مستشفى “كليفلند” الى القمة … في المقال القادم سوف أسرد لكم ماذا فعل الدكتور “جيمس مورلينو”. للوصول الى القمة
الفريق الذي قاد التغيير :
يتكون فريق العمل من 112 عضو مع ميزانية سنوية تقدر بنحو 9 مليون دولار و لعل أهم تخصصات الفريق كانت
  1. مدراء مشاريع
  2. خبراء تحليل البيانات
  3. مدربين على الخدمات الممتازة
  4. مهندسي العمليات الادارية
 و كانت أعمالهم الأساسية كما يلي:
  1. انشاء و تحليل المسوحات الميدانية المختلفة للمرضى
  2. تحليل و تفسير شكاوي المرضى
  3. ادارة مجالس الاستشارية التي تعنى بالمرضى
  4. تدريب الموظفين على آليات التعامل مع المرضى
  5. تتبع المشاكل في أقسام المستشفى و حلها.
  6. اضافة الى تغيير و تحديث العمليات الادارية داخل المستشفى
الاستراتيجية التي عمل بها الفريق:
شملت استراتيجية الفريق ثلاثة خطوط عريضة
* التعريف بالمشكلة القائمة و آليات الحل و تعميم المعلومات و الاحصاءات.
* فهم أعمق لاحتياجات المرضى.
* إشراك جميع موظفي المستشفى في العناية بالمرضى.

أولا: التعريف بالمشكلة القائمة و آليات الحل و تعميم المعلومات و الاحصاءات
 يهتم جميع الأطباء و الممرضين بتقديم الرعاية الطبية للمريض، و يعتقدون أنهم قاموا بعمل اللازم، كما أن العديد منهم ليس لديه أي خلفية عن (CMS – أحد المعايير العالمية للرعاية الطبية)، أو ما قد تستطيع فعله هذه المعايير، إذ كان يعتقد الكثير من الأطباء أن وجبات الطعام الجيدة و شاشات تلفزيون أكبر هي ما قد يجعل من المستشفى يرتقي في المراتب.
 تغيير العقلية السائدة هناك و إقناع الجميع بأهمية تطبيق هذه المعايير، هي أحد أهم المصاعب التي كانت تواجه فريق العمل، فعمد الفريق لنشر هذه المعايير و الاحصاءات و النتائج لمستشفيات مماثلة بحيث تم خلق جو داخل المستشفى بأهمية هذه المعايير و جدوى تطبيقها – الموظفون في المستشفى صُعقوا من النتائج و الأرقام المنشورة و أصبح لديهم فهم أكبر لحجم المشكلة التي يعاني منها مستشفاهم دون أن يدركوا ذلك، كما أصابتهم الحيرة فيما يمكن لكل منهم تقديمه لرفع مستوى المستشفى
استجابة الطاقم الطبي

ثانيا: فهم أعمق لاحتياجات المرضى

اعتمد “مورلينو” على معايير CMS  لتحسين مستوى المستشفى، و اعتمد عليها أيضا لقياس مدى تقدمه في عملية التغيير، و لكنه اضطر الى ابتكار معاييره الخاصة فيما يتعلق بتصرفات المرضى و ردود أفعالهم و معايير اختيارهم للمستشفى الذي يرغبون أن يتلقوا العلاج فيه، لأن هذه الأمور و غيرها لم تكن من اختصاص CMS
قام “مورلينو” بإعداد دراستين لابتكار معاييره الخاصه
الدراسة الأولى: إعادة تحليل الأجوبة التي قدمها المرضى في مسوحاتCMS  حيث كلف فريقه بالاتصال على مجموعة مختارة بشكل عشوائي من المرضى ممن شملهم المسح لسؤالهم عن لماذا قدموا اجاباتهم بالطريقة التي قدموها
الدراسة الثانية: كانت شبيهة باختبار انثروبولوجيا لأحد أقسام التمريض لديه ممن حصل على درجات متدنية في مسوحاتCMS
وجد خبراء تحليل البيانات في فريق “مورلينو” تقاطعات كبيرة بين الدراستين و مدى تأثير تصرفات موظفي المستشفى على نفسية المرضى. كما خرجوا بمجموعة من الملاحظات القيمة التي ساعدتهم في ابتكار طرق جديدة لحسين خدماتهم.
 التعامل مع آلام المرضى

ثالثا: إشراك جميع موظفي المستشفى في العناية بالمرضى

في معظم المستشفيات حول العالم، دائما ما تكون العلاقة بين الطبيب أو الممرض من جهة و المريض من جهة ثانية، أما باقي موظفي المستشفى فلهم عادة دور ثانوي جدا في هذه العلاقة، و هذا تماما ما قلبه “مورلينو” إذ جعل جميع موظفي المستشفى يشاركون في تقديم العناية للمرضى.
أخضع مورلينو جميع موظفي المستشفى البالغ عددهم 43 ألف موظف لبرنامج تدريبي – نصف نهاري – لمدة عام كامل، كل 10 أشخاص يجتمعون مع مدرب على طاولة مستدير بحيث تضم كل مجموعة أطباء و ممرضين و إداريين و حتى عمال نظافة، بحيث يعمد المدرب استراتيجية الحوار المفتوح بين الجميع، و تشجيع مشاركة القصص حول التصرفات الحميدة مع المرضى و توجيه التصرفات التي من شأنها ازعاج المرضى. شمل التدريب جميع نواحي المعاملات و التصرفات بداية من الابتسامة و منادات المرضى بأسمائهم، و الاصغاء الى قصصهم و شكواها، مرورا ببناء علاقات و روابط مع المرضى، و غيرها الكثير من الممارسات اليومية. حيث كلف هذا البرنامج 11 مليون دولار، شاملا رواتب المدربين.
لم تمض هذه الخطوة دون عقبات، حيث شكك العديد من الأطباء و رؤساء الأقسام و الاداريين، في جدوى هذه الخطوة و أن التدريب – النصف نهاري لمدة عام كامل – انتحار بالنسبة للمستشفى و سيشغل الأطباء عن وظيفتهم الرئيسية، و ستفرغ الطوابق من الممرضين، ناهيك عن اختلال العمليات الادارية اليومية للموظفين الاداريين اضافة الى اختلال جداول وجبات الطعام و النظافة، و في النهاية تم رفع شكوى بالخصوص لمدير المستشفى.
نظافة و جمال الغرف
عقد مدير المستشفى اجتماعا مطولا مع الأطباء المعترضين و رؤساء الأقسام و الادارات العليا في المستشفى و أوضح لهم أهمية هذه الخطوة على صعوبتها، و أوضع للجميع أن عدم اجراء هذا البرنامج التدريبي هو الانتحار بعينه و قد كان حازما جدا في الاجتماع ما أدى إذعان الجميع.
احتاج مورلينو و معه مدير المستشفى للضغط أكثر من أجل تغيير العقلية السائدة و لكن هذه المرة لطاقم المدراء في كامل المستشفى و البالغ عدده 2300 مدير لإشراكهم أكثر في عملية التغيير ما سيؤدي الى اشراك موظفيهم أيضا – فتم تنفيذ برنامج آخر للمدراء يوم كامل كل ثلاثة أشهر بحيث تم تدريبهم على ثقافة التغيير و قيادته و التواصل الفعال مع المرضى و غيرها، كما و طُلب من المدراء تقديم خطط سنوية عن كيفية تحسين الاداء و بلوغ الأهداف و الأرقام المرجوة، كما استخدم نظام الحوافز لمكافئة أكثر الموظفين تطبيقا للمعايير الجديدة حيث رصد “مورلينو” 25 ألف دولار كجائزة سنوية لأفضل موظف.
في الختام، فإنه مهما كان قد حدث هناك من آليات و طرق لتحسين و تطوير الخدمة المقدمة للمرضى، ففي النهاية لم تكن علما جديداً، أو علما معقداً، و إنما إصرارا على التطوير و التحسين من رأس الهرم في المستشفى، لم يدعي رأس الهرم العلم كما يحدث في بلادنا العربية، و لم يعمد رأس الهرم الى اتخاذ قرارات غير مبنية على دراسات كما في بلادنا العربية، وليس بالتمني أيضا أو بإجتهادات ظرفية، و لكن حدث ذلك بالتحليل العميق و المستمر لإحتياجات المرضى، و من ثم دراسة كل السبل لتلبية هذه الاحتياجات، و في النهاية تغيير الفكر السائد الى فكر جديد يساعد على تلبية احتياجات المرضى بالطرق الحديثة.
المصدر :  مدونة غمامة – الكاتب محمد حنوش