728X90

2:19 ص

النظريات السلوكية في القيادة

في القرن العشرين طرح عدد من المفكرين دراساتهم التي استنتجوها من تقصّي سلوكيات القياديين والمدراء في المؤسسات. ومن تلك الدراسات ما طرحه رينسيس ليكرت Rensis Likert في ستينات القرن العشرين، الذي قال إن هناك أربعة نظم إدارة أسماها The Four Systems لوصف سلوك القادة في المؤسسات، فيما يتعلق بنمط الإدارة، مستنداً بذلك على علاقة القادة بالعاملين معهم، وقال إن النظم الأربعة التي تتواجد في المؤسسات التي استقصاها هي:

- نظام استغلالي Exploitative Authoritative:
هذا النظام متجذر في النظرية الإدارية الكلاسيكية، إذ إن المدراء يميلون إلى استخدام التهديدات والخوف والعقاب لتحفيز العاملين في المؤسسة. المدراء في أعلى التسلسل الهرمي يتخذون جميع القرارات وعادة لا يدركون المشاكل التي يواجهها من هم في المستويات الدنيا من التسلسل الهرمي، ويتم فرض القرارات على المرؤوسين عبر الأساليب القسرية.

- نظام سلطوي رحيم Benevolent Authoritative:
هذا النظام الإداري أقل في درجة السيطرة من الإدارة الاستغلالية، إذ يستند على الدوافع المحتملة للعقاب وجزئياً على المكافآت. كما يتم توسيع منطقة صنع القرار من خلال السماح للموظفين للمشاركة - بمستوى منخفض - في مناقشة السياسات بصورة محدودة.

- نظام تشاوري Consultative:
هذا النظام الإداري يعتمد على تحفيز العمال من خلال المكافآت والعقوبات في بعض الأحيان، مع مشاركة محدودة في اتخاذ القرارات وتحديد الأهداف. العاملون لهم حرية اتخاذ قرارات محددة من شأنها أن تؤثر على عملهم، لكن الإدارة العليا لديها السيطرة على السياسات والقرارات العامة التي تؤثر على المؤسسة، ولها كلمة الحسم في اي شيء تود التدخل فيه.

- نظام تشاركي Participative:
النظام التشاركي يُعتبر الوسيلة الأكثر فاعلية في القيادة؛ لأنه يشجع على المشاركة الحقيقية في اتخاذ القرارات وتحديد الأهداف من خلال التواصل العمودي والأفقي للمعلومات والاستفادة من الإبداع ومهارات العاملين.

وقبل ذلك، في خمسينات القرن العشرين، طرحت جامعة ولاية أوهايو أنموذجها لسلوك القادة، وهو المعروف بأنموذج Ohio State Leadership Studies Model. وقد توصّلت تلك الدراسة إلى تصنيف سلوك القادة إلى بُعدين في ضوء استجابات العاملين:

- الاعتماد على الهيكلية والتوجيهات المباشرة Initiating Structure:
في هذا البعد، يقوم المدير باعتماد الهيكلية التنظيمية والإجراءات لتحديد دوره ودور العاملين معه، ويمارس تنظيم العمل، ويحدد العلاقات والأهداف، ويعتمد المعايير الأدائية، ويركز على برمجة العمل باستمرار.

- الاهتمام بالعاملين Consideration:
هذا البعد يقيس المدى الذي تكون فيه العلاقة بين المدير والعاملين تسودها الثقة المتبادلة، الاحترام، والمساواة في المعاملة.

وأشارت الدراسة إلى أن القائد ذا الدرجة العالية في البُعدين أكثر قدرة على جعل العاملين يبذلون أقصى الجهد في أدائهم وأكثر رضا بالنسبة لاتجاهاتهم نحو أعمالهم وعضويتهم في المؤسسة.

ولقد سعت مجموعة الباحثين في جامعة ولاية أوهايو الأميركية إلى تحديد سلوكيات القادة التي يمكن ملاحظتها وأنجزوا لوائح من البيانات (Leaders Behavior Description Questionnaire (LBDQ التي صممت لقياس سلوك القائد.
هذه البيانات صنّفت القادة حول مدى «الاهتمام» بالعاملين Consideration من جانب، ومدى الاهتمام بـ «بالمبادأة بالتوجيهات» المتعلقة بهيكلية العمل Initiating Structure.

على أساس ذلك، حددت جامعة ولاية أوهايو أربعة أنماط للقيادة تعتمد على درجة اهتمام القائد بالعاملين من جانب ودرجة اهتمامه بهيكلية العمل من جانب آخر. بمعنى آخر، فإنّ البُعدين ينتجان أربعة أنماط من سلوك القائد، وهي:

- أسلوب الأمر S1=Telling:
هذا أشد أسلوب في سلوك القيادة. مثلاً، فإنّ العاملين الجدد يحتاجون تعليمات مباشرة، وهؤلاء كفاءتهم منخفضة، ولكن التزامهم بالعمل يُعتبر عالياً لشعورهم بعدم الأمان في حال لم يقوموا بدورهم بصورة جيدة، ولذا فهؤلاء يحتاجون إلى توجيه مباشر وأوامر واضحة بشأن المهام المطلوبة منهم.

أسلوب البيع/ التسويق S2=Selling:
 وهذا يعني أن القائد يأخذ القرار ويقوم بتسويقه على العاملين من أجل تنفيذه وهم متحمسون نوعاً ما للقرار. القائد يركز في هذه الحالة على المهام ويسعى لتطوير علاقة الثقة مع العاملين.

أسلوب المشاركة S3=Participating:
القائد يتعامل مع عاملين لديهم درجة عالية من الكفاءة، ويركز بدرجة أقل على المهام الموكلة إليهم، في مقابل تركيز أكثر على العلاقة مع أعضاء المجموعة.

أسلوب التفويض S4=Delegating:
 القائد يقوم بتفويض مهمات التنفيذ للعاملين ويركز على النتائج. كما يقوم بتخويل الآخرين ويحدد الصلاحيات والاختصاصات ويعتمد على الحد الأدنى من الإشراف على أعضاء المجموعة الذين يتوقع أن يكونوا على درجة عالية من الكفاءة، والالتزام والدوافع، والقوة والتمكين.

هناك العديد من النظريات السلوكية الأخرى، مثل Managerial Grid والتي طورها كلٌّ من روبرت بلايك وجاين ماوتن، وهي تصف خمسة أنماط من القيادة تتوزع في درجة الاهتمام بالإنتاج مقابل درجة الاهتمام بالعاملين. وجميع هذه الدراسات تكشف الأبعاد المختلفة لسلوك القائد، وهي بمجملها تعبّر عن «النظريات السلوكية في القيادة» Behavioural Theories of Leadership.

لقد ساهمت هذه النظريات في فهم موضوع القيادة بصورة أفضل من النظريات التي سبقتها والتي كانت تعتمد على السمات التي يولد بها الشخص؛ فقد أوضحت النظريات السلوكية إمكانية تطوير وتدريب القادة على سلوك نمط معين، ولكن هذه النظريات لم تأخذ بعين الاعتبار طبيعة «الموقف المتغير» وتنوع العاملين وقدراتهم، ولذا طوّر بعض علماء الإدارة «النظرية الموقفية» للقيادة، والتي تأخذ بعين الاعتبار متغيّرات الموقف وقدرات العاملين، وهو موضوع آخر.


بقلم /  منصور الجمري


المصدر