728X90

12:16 ص

جاك ويلش ونهج جنرال إلكتريك


جاك ويلش الأسطورة، الرئيس التنفيذي المتقاعد لشركة جنرال إلكتريك GE، أصبح أحد أكثر قادة الأعمال إجلالاً واحتراماً في العالم. يصف مؤلّف هذا الكتاب الحكمة الإدارية التي أنشأها ويلش على مدى أربعة عقود بحيث حوّل تلك الشركة من عملاق مترهّل من طراز الاقتصاد القديم ورأسمال لا يتعدّى 4 مليارات دولار، إلى شركة جديدة ديناميكية يُقدّر رأس مالها بنصف تريليون دولار.

 وهكذا، قامت مجلّة فورتشون بتصنيف GE على أنّها أكثر الشركات التي يُنظَر إليها بعين من الإعجاب والتقدير في أميركا ومنحت الفضل لويلش في «إعادة صياغة مفهوم إدارة الأعمال والحفاظ في الوقت عينه على ضخامة GE وازدهارها وربحيتها». ووفقاً للكاتب، يعود نجاح GE إلى تفاني ويلش الخالص في سبيل فلسفة قيادية خاصة به: هي مزيجٌ من حِِكَم عقيدة «زين» التي تؤمن بالتأمّل كوسيلة للتوصّل إلى الحقيقة ومن البراغماتية الصارمة. 

وهذه الفلسفة تكافئ المديرين على المستويات كافة الذين يسعون إلى خلق جوّ من التعلّم وتحويل ما يتعلّمونه إلى أفعال. لذا، حريٌّ بالشركات أن تتبع نصيحة ويلش حول كيفية تعزيز بيئة عمل منفتحة وودودة تشجّع الموظفين على التعبير عن آرائهم، ممّا يكسر جدار العدائية بين المديرين والتابعين لهم. صحيحٌ أنّ هذا الأسلوب يحمل توقيع ويلش، ولكن تستطيع شركتك أن تحذو حذوه. يمكنك تسريع عملياتك التجارية والتركيز باستمرار على الإبتكار والحرص على وضع أفضل لاعبيك فقط في الميدان. ويقول ويلش: إنّ الأهم من هذا كلّه ألا تنسى يوماً أنّ التجارة والأعمال ليستا علم صواريخ، بل بسيطتان جداً. 

القائد هو مصدر إلهام للموظّف إذ يبتكر رؤية معيّنة حول كيفية إنجاز العمل بصورة أفضل. ويأتي القائد بموظفين للأداء على مستويات ما كان يظنّها ممكنة ثم يتنحّى عن الطريق. بسِّط الأمور في ما يتعلّق بالرؤية، يبقيها ويلش بسيطة ويدافع عمّا يسمّيه بالرسالة الأساسية ألا وهي: رؤية كبيرة ولكن بسيطة ومفهومة. على سبيل المثال، تقوم إحدى رؤى ويلش على أن تكون كلّ شركة من مجموعة GE الأولى أو الثانية في مجالها. الأمر بهذا الوضوح والبساطة. انشر الخبر ينتهز ويلش كلّ الفرص للترويج لرؤيته سواءً في رسالته السنوية "رسالة إلى المساهمين، أو في خطاباته أمام مجلس إدارة GE وفي حواراته مع المحلّلين الماليين. 

ويحرص ويلش على أن يفهم الجميع الرسالة عينها التي تتمثّل في ما يلي: أنا لا أقول أمراً لمن في خارج الشركة وعكسه لمن في الداخل. على سبيل المثال، يتوقّع ويلش من موظفي GE على المستويات كافة أن يكونوا قادرين على التعرّف إلى قيم الشركة والإلتزام بها. كن واقعياً يعتبر ويلش أنّه يتعيّن على القادة أن يواجهوا حقيقية الأوضاع والمنتجات والموظفين ومن ثم أن يتصرّفوا بسرعة وبصورة حاسمة على أساس هذا الواقع. وتعني مواجهة الواقع التصرّف على أساس أنّ العالم بات أكثر تنافسيةً وأن لا وظيفة مضمونة لمدى الحياة. كما تعني أيضاً نبذ النهج البيروقراطي في إدارة الأعمال والإعتراف بأنّ التجارة والأعمال أمران بسيطان.

 وفي بعض الأحيان، تعني مواجهة الواقع اتّخاذ قرارت صعبة. ولكن ويلش على اقتناع بأنّ معظم الأخطاء ينجم عن عدم مواجهة الواقع والتصرّف على أساسه. وهو على سبيل المثال يقرّ بأنّ أحد أكبر أخطائه كان عدم التحرك بالسرعة الكافية لإجراء بعض التغييرات الجذرية في GE. وأكثر ما يندم عليه ويلش هو عدم شراء شركة لإنتاج الأغذية خلال الفترة الأولى لتولّيه منصب الرئيس التنفيذي وهو ما كان في نظره استثماراً مربحا.ً لكنّه تأخّر في اتخاذ قرار بهذا الشأن. وينصح ويلش: «عندما ترتكب خطأً ما، اعترف بخطئك، لا بل تَعلّم منه». قرّرَ ما تجيد فعله وافعله بطريقة أفضل يرى جاك ويلش أنّ الأقوى وحده يصمد ويستمرّ . فالشركات الضعيفة لا تملك الموارد أو القوة لتنافس سائر الشركات عالمياً. خلال السنوات الأولى لتولّيه منصب الرئيس التنفيذي، جعل ويلش مهمّته الأساسية تعزيز وضع GE عبر إزالة شركاتها الضعيفة. عندما تكون في الطليعة تستطيع التحكّم بمصيرك في بداية الثمانينيات، كانت GE تضمّ 350 شركة ضمن 43 قطاعاً تجارياً استراتيجياً. ولكن وحدها منتجات ثلاثة تصنّعها GE كانت تملك حصّةً مهمّة في سوق الصادرات، وهي البلاستيك وتُربينات الوقود ومحرّكات الطائرات. ووحدها تُربينات الوقود كانت الرائدة في مجالها في السوق الخارجي. فرأى ويلش أن GE يمكن لا بل يجب أن تحقّق أداءً أفضل. فوضع خطةً تحمل اسم «المرتبة الأولى، المرتبة الثانية» بهدف إعطاء دَفع لتنافسية الشركة. ودعت هذه الاستراتيجية إلى أن يكون كلّ قطاع من قطاعات GE إمّا الأول أو الثاني في مجاله. 

أمّا القطاعات التي لم تكن تتمتّع بميزة تكنولوجية فكانت تُلغى حتى وإن كانت تدرّ الأرباح. وفي هذا الصدد يقول ويلش: «إذا كنتَ في المرتبة الرابعة أو الخامسة في السوق، فعندما يعطس الرقم واحد، أنت من سيُصاب بذات الرئة. أمّا إذا كنتَ أنت في الطليعة، فتستطيع التحكّم بمصيرك». إشحذ هدفك وركّز اختار ويلش الإبقاء على الصناعات المُرتكزة على الأقل إلى واحدة من هذه الوظائف: الوظائف الأساسية كالإنارة والمعدّات الرئيسية والمحرّكات ومعدّات النقل والتُربينات ومعدّات المقاولة. 

التكنولوجيا المتطوّرة بما فيها المعدّات الإلكترونية الصناعية والأجهزة الطبية والمعدّات الجوية الفضائية ومحرّكات الطائرات. الخدمات كشركة جي إي كابيتال وقطاعات الإعلام والبناء والهندسة والخدمات النووية. وقد تمّ إغلاق أو بيع حوالي 117 شركة وقطاعاً صناعياً لكونها لا تتناسب مع الفئات المذكورة أعلاه. كذلك اشترت الشركة أصول بقيمة 16 مليار دولار تندرج ضمن هذه الفئات. 

على سبيل المثال، أتت حيازتا شركة «آر سي إي» التي كانت تملك شبكة «أن بي سي»، وبنك «كيدر بيبودي» للاستثمارات لتعزّزا قطاع خدمات GE. وسِّع أسواقك مع حلول أواخر الثمانينيات، كان ويلش قد حقق هيمنةً استراتيجيةً على السوق الأميركي وباتت أنظاره تتّجه نحو الساحة العالمية. فحمل مديري الاقسام في الشركة على إعادة تحديد أسواقهم المستهدَفة أو توسيعها. وكانت النتيجة أن احتلّت شركات المجموعة المراتب الأولى أو الثانية عالمياً في مجالاتها بحلول خريف عام 1997 .

 أُضبط حجم القوة العاملة لمزيد من الفعالية لعلّ أحد أهداف ويلش الطويلة الأمد كان جعل GE ذات هيكلية ليّنة كأيّ شركة صغيرة. كانت GE في الثمانينيات مُثقلةً بالبيروقراطية وتضمّ 412 ألف موظّف. فتمّ تسريح ثلث هؤلاء الموظّفين والإبقاء على 270 ألفاً منهم فقط. وكان لا بدّ أيضاً من تقليص عدد المديرين بغية تسريع عمليات الشركة.

 عندما تسلّم ويلش قيادة GE كان عدد المديرين يصل إلى 25 ألفاً. فما كان منه إلا أن ألغى مناصب المديرين على مستوى القطاعات والمجموعة، مخفّفاً بذلك عدد المديرين بينه وبين مديري الأقسام. وهذا ما حسّن بالتالي عملية التواصل ضمن الشركة. ونتيجةً لذلك، كان صانعو القرار يتلقّون المعلومات التي يحتاجون إليها بشكل أسرع وبالتالي يطرحون المنتجات في السوق بصورة أسرع أيضاً.

 تخلّص من القيود ابتكر ويلش برنامج «وورك آوت» لمساعدة الموظفين على وقف «صراعهم مع القيود والعبثية التي تسود المؤسسات الكبرى». هناك حدود بين طبقات الإدارة، بين الأقسام، بين المنظمات وعملائها، وبين الشركات ومموّنيها، بحيث تعترض هذه القيود حسن سير الأعمال. وقد حسّن هذا البرنامج عملية التواصل وعزّز الابتكارات وسرّع العمليات. وكانت إزالة القيود من شركة GE تعني إشراك المموّنين والعملاء في عمليات التصميم والتصنيع. يشجّع هذا البرنامج إذاً المديرين على أن يسألوا أنفسهم: ما هي الأقسام التي تبطئ أداء الشركة؟ ما هي العقبات التي تعترض طريقها؟، ومن ثم يعملون على إزاحة كافة العراقيل التي تُعيق إطلاق منتج جديد وطرحه في الأسواق بسرعة. شكِّلْ فريقا من موظّفي الفئة «أ» وحدهم الأشخاص من الفئة «أ» مدعوّون إلى تقديم طلب عمل لدى GE. إنّهم أشخاصّ يؤمنون بقيم GE ويتمتّعون بأداء مميّز ويتحلّون بالرؤية والجرأة والنزاهة والحزم والبراعة. إنّهم حسب ويلش الأفضل في العالم. وموظّفو الفئة «أ» هؤلاء يتخطّون أدوارهم المحدّدة كمهندسين وخبراء في المالية مثلاً لتحسين قيمتهم بالنسبة إلى الشركة وقيمة الشركة في السوق. ولكن ليس جميع موظّفي GE من الفئة «أ»، فهناك أيضاً الفئة «ب» التي تؤمن أيضاً بقيم الشركة وتتمتّع بالإنتاجية إلا أنّها بحاجة إلى المزيد من التحسّن. 

إنّها فئة بحاجة إلى التشجيع على حدّ قول ويلش. عيّن مديرين يتمتعون بالحيوية يعتبر ويلش أنّ معظم المديرين يبالغون في طريقة الإدارة بدلاً من نشر الحيوية من حولهم، ويصيبون الموظّف بالإحباط عوضاً عن إثارة حماسه. يبحث ويلش عن مديرين للمناصب العليا يفيضون حيويةً ويجيدون وضع رؤية معيّنة والعمل بها ويضخّون الحماس في المحيطين بهم. أمّا مديرو المناصب المتوسطة فيجب أن يلتزموا بقيم GE أيضاً وأن يتحلّوا بروح القيادية والعمل الجماعي. اجعل النوعية أولويةً في شركتك قرّر ويلش أن يجعل النوعية محور تركيز إدارته. فهو لا يريد أن تكون GE مساويةً لمنافسيها أو أفضل منهم، بل يريد الإرتقاء بالنوعية إلى مستوى جديد بالكامل والحلّ الأنجح هو سيكس سيغما. مفهوم سيكس سيغما Six Sigma سيكس سيغما هو مقياسٌ للأخطاء في كل مليون عملية. وكلّما كانت الأخطاء أقلّ كانت النوعية أفضل. يعني مفهوم سيكس سيغما أنّ هناك حوالي 3.4 عيوب في كل مليون عملية. وكانت شركة موتورولا قد ابتكرت مبادرة سيكس سيغما في الثمانينات ضمن جهودها الرامية إلى تقليص عدد العيوب في معدّات الإتصال والموصِّلات التي تصنّعها.

 وسرعان ما حذت شركات أخرى حذو موتورولا وحقّقت نتائج ملحوظة. وفي عام 1995، قرّر ويلش إطلاق برنامج سيكس سيغما في GE. عملية سيكس سيغما الخطوة الأولى في عملية سيكس سيغما هي تعيين مشروع ما حيث يتمّ بعدها تحديد الخصائص المهمّة للنوعية. ومن ثم يتولّى فريقٌ من إختصاصيي سيكس سيغما التدقيق في المشروع على أربع مراحل:

 1 - يقيسون الخلل الناجم عن عملية أساسية

 2 - يحلّلون المتغيّرات التي قد تكون وراء الخلل 

3 - يحسّنون العملية عبر تحديد أقصى نطاق مقبول لهذه المتغيّرات

 4 - يراقبون العملية للحرص على أن تبقى المتغيّرات ضمن النطاق الذي حدّدوه 

تستغرق مراقبة مشروع معيّن أربعة إلى خمسة أشهر وتؤدي إلى خفض تواتر الخلل بنسبة 80 في المائة. وهذا ما يعادل 70 إلى 100 ألف دولار من توفير الأموال. ورغم أنّ GE أنفقت مبالغ طائلة على مبادرات مراقبة النوعية، فإنّ عائدات هذه المبادرات كانت بشكل عام ضعف تلك المبالغ. فلنأخد مشكلة قسم الإنارة في GE حيث كان نظام الفاتورة الإلكترونية الخاص به يتعارض مع النظام الشرائي لـ«وول مارت». وهذا ما كان يتسبّب بالشجارات وتأخير المدفوعات وعدم رضا وول مارت. 

فقام فريقٌ تابع لـ GE بتطبيق مفهوم سيكس سيغما وتكنولوجيا المعلومات وأنفق مبلغ 30 ألف دولار لحلّ المشكلة. وتمكّن الفريق من خفض نسبة الأخطاء بمعدّل 98في المائة في غضون أربعة أشهر فقط. وبالتالي، تراجعت نسبة الخلافات والتأخير، وحسّن وول مارت تعاونه الفعّال مع GE. ركّز على الخدمات كإستراتيجية للنمو أدرك ويلش باكراً أنّ نمو GE يجب أن يكون مصدره الخدمات، ولذلك، اتّخذ خطوات لتحقيق هذه الغاية. ويشكّل مثلا أن بي سي و«جي إي كابيتال» أبرز نجاحاته في هذا المجال.

 بروز جي إي كابيتال الورقة الرابحة الأخرى لدى GE هي شركة جي إي كابيتال سيرفيسز التي تأسّست أثناء فترة الانهيار الكبرى في الولايات المتحدة تحت اسم جي إي كريديت، حيث كانت تقدّم القروض للأشخاص المحدودي السيولة لشراء الأدوات الكهربائية. 

وفي الستينات، بدأت تموّل مُنتجات أخرى وصار اسمها جي إي كابيتال. أما اليوم فباتت هذه الشركة القوة الدافعة للخدمات في GE ويعود معظم الفضل في ذلك إلى الجهود التي بذلها ويلش لدعم قطاعات الخدمات. 

وتضمّ جي إي كابيتال اليوم 27 قطاعاً، من قطاع بطاقات الإئتمان إلى تأجير الأقمار الإصطناعية وصولاً إلى برمجة الكمبيوتر. وقد ساهمت الحيازات الجديدة إلى حد كبير في نمو هذه الشركة. فمنذ عام 1994، أنفقت جي إي كابيتال 11.8 مليار دولار على حوالي 12 حيازة بما فيها حيازة شركة كولوني فيرست أوف لينشبرغ وهي رائدة في مجال التأمين وشركة أميريداتا تكنولوجيز للتكنولوجيا المتطوّرة. 

وخلال التسعينات، وسّعت الشركة نفوذها العالمي بحيث ساعدت في تمويل مشاريع في المكسيك والصين وخصخصة مطار في المجر.

 الأسواق العالمية لطالما كان ويلش مصمّماً على توسيع النطاق العالمي لـ GE. وهو يقول: ما من توسّع عالمي غير محفوف بالمجازفات، ولكن الإكتفاء بالسوق الداخلي لا يُجدي. لا شكّ في أنّ جانب المجازفة كبير، إلا أنّ جانب الفُرص الجديدة أكبر.

 وهنا برأيي يكمن الفرق. روّج لقيمك القيم جزءٌ لا يتجزّأ من ثقافة GE لدرجة أن قام جاك ويلش بطبعها على بطاقات صغيرة تتسّع في المحفظة وأعطى كلّ موظف في الشركة نسخةً من دليل قيم الشركة هذه. 

ومن القيم المطبوعة على البطاقات ما يقول إنّ قادة GE، وبنزاهة لا تتزعزع: - يتمتّعون بشغف التفوّق ويكرهون البيروقراطية - منفتحون على الأفكار الجديدة مهما كان مصدرها وملتزمون ببرنامج وورك آوت - يدفعون النوعية والكلفة والسرعة قدُماً حفاظاً على الميزة التنافسية - يتحلّون بالثقة بالنفس لإشراك الجميع من حولهم وإطلاق العنان لأنفسهم - يطوّرون رؤية واضحة وبسيطة وواقعية وينقلونها إلى العملاء كافةً - يتحلّون بحيوية ضخمة وبالقدرة على ضخ هذه الحيوية في الآخرين - يضعون أهدافاً طموحة ويكافئون أيّ تقدّم يتمّ إحرازه ويدركون في الوقت عينه معنى المساءلة والإلتزام - يرون التغيير على أنّه فرصة جديدة لا تهديد - يتمتّعون بأدمغة منفتحة وشاملة ويشكّلون فريق عمل متنوّعا وشاملا.

 الامتداد لتحقيق الأهداف يؤمن جاك ويلش بتحديد الأهداف التي تبدو خارج متناول اليد. وهو يسمّي هذه الإستراتيجية بالإمتداد وهي بمنزلة التجرّؤ على الحلم والتمتّع بمزيد من الإبداعية في إدارة شركتك. الإمتداد يعني أن تدرك أنك قد تفشل ولكن أن تحاول مهما كان لأنّها الطريقة الأفضل للنمو. بالنسبة إلى ويلش، الإمتداد يحلّ مكان ذلك العزم الخجول على أن تكون أفضل ما يجب أن تكونه، ويستعيض عنه بالتساؤل إلى أي مدى يمكن أن تصل براعتك؟ برنامج وورك آوت عام 1989، وضع ويلش برنامجاً عشرياً يحمل اسم «وورك آوت». وكان الهدف منه منح جميع موظّفي GE فرصة المساعدة في حلّ المشاكل واقتراح أفكار جيدة. ففي نظر ويلش يكون العامل الملتزم أكثر إنتاجيةً. وأوضح ويلش لمديريه أنّ أفكار كل فرد هي في غاية الأهمية. 

وممّا قاله لهم: إن كان هناك ثلاثة أشخاص، أريد ثلاث أفكار. إن كنتم تعطون الأوامر فقط فلن أنال سوى أفكاركم بينما أفضّل أن أختار من بين أفكار قدّمها ثلاثة أشخاص. وهذا البرنامج الذي يشبه في تصميمه اجتماع بلدة نيو انغلاند في ماساتشوستس يسمح للموظّفين بتقديم الإقتراحات مباشرةً إلى مديريهم والحصول على الرد فوراً عندما تسنح الفرصة. 

ووفق هذا البرنامج، تستمرّ كلّ ورشة عمل لثلاثة أيام وتُخَصّص لجدول أعمال أو هدف محدّدين كتخفيض الكلفة أو طرح منتج جديد. ويدعو المنظّمون من يشاؤون لكنّ المدعوين ليسوا مضطرّين للحضور. وفي أفضل الأحوال، يستطيع أربعون أو خمسون شخصاً من الموظفين والإدارة الحضور. وكالمعتاد، كان رئيس كلّ قسم من أقسام GE يفتتح ورشة العمل وينصرف بعدها. أمّا المشاركون فكانوا ينقسمون إلى مجموعات صغيرة بهدف مناقشة الأفكار الجديدة Brainstorming بينما يحرص مدير ورشة العمل على ألا يهيمن الموظّفون الأعلى منصباً على المناقشات. وكانت جلسات المناقشة هذه تستمرّ حتى اليوم الثالث حين كان المدير المسؤول يعود ويستمع إلى الأفكار الجديدة ويجيب عن الإقتراحات. 

وكان أمام المديرين المسؤولين ثلاثة خيارات فقط: 

الموافقة على تنفيذ اقتراح ما، رفض الإقتراح أو طلب المزيد من المعلومات 

بعد أن يسمح المدير لفريق معيّن بجمع المعلومات ضمن مهلة محّددة. وحسب القواعد، كان 20 في المائة فقط من القرارات يخضع للتأجيل. وقد أتى هذا البرنامج بنتائج جيدة علىGE . على سيبل المثال، أدّى اقتراحٌ بالسماح لعمّال قسم محرّكات الطائرات في ولاية ماساتشوستس بالمشاركة في مناقصة ضد بائع خارجي في أحد المشاريع إلى توفير مبلغ قيمته 80 ألف دولار أميركي.

 كما أدّى اقتراحٌ آخر في أحد مصانع GE في ولاية بنسلفانيا بشراء الدهانات من مموّن واحد بدلاً من اثنين إلى تجانس نوعية الدهان وبالتالي تفادي إعادة العمل عليه وكذلك الحدّ من التأخير. وساهم إقتراحٌ آخر بفتح الفجوات وشراء المراوح في أحد مصانع الشركة في ولاية كنتاكي بتحسين ظروف العمل فيه. النقاط الأساسية وصفٌ ممتازٌ يروي كيف تمكّن الرئيس التنفيذي السابق لشركة «جنرال إلكتريك»GE من إزالة الحدود بين مختلف الطبقات الإدارية وبين المهندسين والمسوّقين وبين الشركة وعملائها بهدف عقلنة عملية إطلاق المنتجات والخدمات في السوق. عندما تسلّم جاك ويلتش إدارة الشركة عام 1981 كانت أنظاره تتّجه نحو الأفق وما رآه أثار قلقه. فقد كان ارتفاع معدّل التضخّم الذي شهده العقد الفائت والمنافسة المتزايدة من قِبل اليابان يغيّران قواعد اللعبة. 

وكان ويلتش على يقين بأنّ GE وإن بدت في أفضل أحوالها بالنسبة إلى الناظر من الخارج، ما زال يتعيّن عليها أن "تتحسّن أكثر وأسرع". وكان هذا يعني إحداث تغيير، لا بل تغيير كبير. خفّض ويلتش عدد الموظّفين وأزال الطبقية الإدارية وخفّف عدد الأقسام في الشركة وهذا ما جعله ينال لقب «نيوترون جاك». 

وقضى ويلتش أيضاً على الحدود الداخلية ممّا حسّن التواصل وسرّع العمليات. كذلك طبّق برامج لتشجيع الأفكار الجديدة ومكافأة النوعية ووسّع حضور الشركة على الساحة العالمية. قَوْلب ويلش الشركة وجعل منها هذه القوة التي هي عليه اليوم، إذ رفع نسبة عائداتها إلى مستويات قياسية مع حلول أواخر التسعينات.

 وقد أنجز ذلك على طريقته الخاصة عبر: - فَهْم دوره كقائد - تحرير الشركة من أعباء البيروقراطية - البحث عن أفكار جديدة داخل الشركة وخارجها - دفع النوعية داخل الشركة برمّتها ويروي روبيرت سلييتر ببراعة تحوّل GE من شركة مصنِّعة إلى شركة موجَّهة نحو الخدمات، وباستيلائها على شبكة «أن بي سي» وكيف وسّعت خدماتها لتشمل الخدمات المالية والأسواق الخارجية.


 بقلم: روبرت سلييتر - منشورات ماكغروهيل