كتاب بيتر بلوك Peter Block الذي نشر في العام 1993 تحت عنوان «Stewardship: Choosing Service Over Self Interest» يطرح مفهوم Stewardship، كنهج يركز على «الإشراف الصالح»، أو «القوامة» وكيفية إشراك قلوب وعقول العاملين في المؤسسة في قيادة بيئة عملهم. هذا النهج القيادي يعتمد على تقديم خدمة الآخرين على المصلحة الذاتية، واعتماد الثقة في الآخرين، مع الالتزام بالنزاهة والإنصاف.
القائد بحسب هذا الطرح يتحمل المسئولة الملقاة على عاتقه على المدى الطويل وذلك اعتماداً على الشجاعة الأدبية وأخلاقيات ثابتة وعملية تجسد حرص القائد على الأمانة في قيادة الآخرين، وتخطيط وإدارة الموارد مع الحفاظ على مصالح المجتمع والمؤسسة، وحماية البيئة والطبيعة، وتنمية الجوانب الاقتصادية.
وتاريخياً، فإنّ النقابات العمالية في بريطانيا اعتمدت في قوتها على أشخاص داخل المصانع يطلق عليهم مسمى Shop Stewards، وهم الذين يعملون داخل المصانع ولهم احترام من العمال والإدارة، ويربطون العمال مع المسئولين النقابيين على المستوى العام، ويلعبون دوراً محورياً في المفاوضات الجماعية في مكان العمل. والسبب في امتلاك هذا النوع من الناس هذه الإمكانيات هو أنّ العمال الآخرين يثقون بهم وبقدراتهم بأنّهم سيقدمون مصالح المجموع الأكبر على مصالحهم الخاصة، وأنّهم يراعون مختلف الجوانب الأخرى بأمانة وإخلاص، ويتفانون في تمثيلهم للآخرين من دون استغلال سيئ للسلطات المخولة لهم.
نظرية الإشراف الصالح (القوامة) ترى أنّ القادة الجيدين يتصرفون من تلقاء أنفسهم بصورة حسنة من أجل رعاية مصالح الآخرين والمحافظة على الإمكانات والأصول التي يسيطرون عليها. كما أنّ هذه النظرية ترى أنّ القائد قد يدفعه ضميره لاتخاذ قرارات قد لا تكون شعبية للآخرين، وهو في ذلك شبيه بالجراح الذي قد يضطر لإحداث بعض الألم أثناء إجراء العملية، وذلك من أجل المحافظة على حياة المريض الذي يقع تحت يديه.
يطرح بلوك وجهة نظر تقول إنّ القيادة تتوجه نحو الحوكمة المؤسسية، بدلاً من ضبط السلوك الفردي، ويسعى هذا النهج لأن يطرح بديلاً عملياً للقيادة التي تعتمد على الهيكل التنظيمي الهرمي في كلِّ مكان. فهذا النهج يحبذ العمل الجماعي عبر خلق وتعزيز شراكة عملية بين أصحاب رأس المال وأولئك الذين ينفذون العمل داخل المؤسسة. وعليه، فإنّ هذا النهج يدعو إلى القضاء على السرية حول معاشات وتعويضات الموظفين وحول خطط المؤسسة، ويدعو إلى إشراك العاملين في صنع القرار وتكوين رؤية المؤسسة ورسالتها، وتوزيع المردودات المالية والصلاحيات بصورة أكثر إنصافاً بين أعضاء المؤسسة. وطبقاً لهذا الطرح، فإنّ كلَّ تلك الإجراءات ستزيد من الشفافية والمساءلة وضبط النفس، في حين سيتقدم العمل أصحاب السلوك الأخلاقي المعتمدون على القيادة الأخلاقية في جميع أنحاء المؤسسة.
هناك منحى طوباوي نوعاً ما في هذه النظرية القيادية التي يتحدث عنها بيتر بلوك، لأنّ اشتراط توزيع الثروة والصلاحية يتطلب إعادة هيكلة طريقة عمل المؤسسات التي تنشط في بيئة خاضعة لاستثمار أصحاب رؤوس الأموال من جانب، وخاضعة أيضاّ لقوانين السوق التي قد تتطلب حسماً في أوقات الكساد وتعثر المشاريع.
على أنّ هذا الطرح يمكن أنْ يتخذ مقياساً لحث المدراء في المؤسسات لأن يلتزموا بأخلاقية المهنة، وأن يقدموا مصلحة المجتمع ومصلحة المؤسسة ومصلحة العاملين على المصالح الشخصية، وأن يبتعدوا عن اتخاذ أي قرار يحتوي على تضارب بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، وأن يستشعروا مبادئ الإنصاف تجاه الآخرين وعدم الانزلاق نحو الغرور والظلم وركوب ظهور الآخرين.
هذه النظرية تتسق مع نظريات أخرى في القيادة، مثل القيادة الخدومة التي يدعو لها كثيرون، والقيادة المبدئية التي دعا إليها مؤلف كتاب «العادات السبع للناس الأكثر فعالية» ستيفين كوفي. ففي العادة الثالثة «ابدأ بالأهم قبل المهم»، يتحدث كوفي عن أهمية «تفويض الأعمال» للآخرين، وأوضح أنّ أفضل أنواع التفويض ما سماه بـ «stewardship delegation»، أو تفويض الساعي، وهو تفويض مع قوامة وإشراف صالح.
وشرح كوفي هذا النوع من التفويض بأنّه يعتمد على إفساح المجال لمن تفوض إليه مهمة ما بأن يحقق النّتائج المرجوة من خلال وضع مؤشرات وقياسات للنجاح والفشل، وأن يكون الشخص الذي أوكل المهمة متوافراً لخدمة من أوكلت إليه المهمة، وأن يمنح هذا الشخص حقّ اختيار الطّريقة التي سينفذ من خلالها المهمة، وأن يتحمل مسئولية النّتائج.
المقال بقلم | منصور الجمري
المصدر
القائد بحسب هذا الطرح يتحمل المسئولة الملقاة على عاتقه على المدى الطويل وذلك اعتماداً على الشجاعة الأدبية وأخلاقيات ثابتة وعملية تجسد حرص القائد على الأمانة في قيادة الآخرين، وتخطيط وإدارة الموارد مع الحفاظ على مصالح المجتمع والمؤسسة، وحماية البيئة والطبيعة، وتنمية الجوانب الاقتصادية.
وتاريخياً، فإنّ النقابات العمالية في بريطانيا اعتمدت في قوتها على أشخاص داخل المصانع يطلق عليهم مسمى Shop Stewards، وهم الذين يعملون داخل المصانع ولهم احترام من العمال والإدارة، ويربطون العمال مع المسئولين النقابيين على المستوى العام، ويلعبون دوراً محورياً في المفاوضات الجماعية في مكان العمل. والسبب في امتلاك هذا النوع من الناس هذه الإمكانيات هو أنّ العمال الآخرين يثقون بهم وبقدراتهم بأنّهم سيقدمون مصالح المجموع الأكبر على مصالحهم الخاصة، وأنّهم يراعون مختلف الجوانب الأخرى بأمانة وإخلاص، ويتفانون في تمثيلهم للآخرين من دون استغلال سيئ للسلطات المخولة لهم.
نظرية الإشراف الصالح (القوامة) ترى أنّ القادة الجيدين يتصرفون من تلقاء أنفسهم بصورة حسنة من أجل رعاية مصالح الآخرين والمحافظة على الإمكانات والأصول التي يسيطرون عليها. كما أنّ هذه النظرية ترى أنّ القائد قد يدفعه ضميره لاتخاذ قرارات قد لا تكون شعبية للآخرين، وهو في ذلك شبيه بالجراح الذي قد يضطر لإحداث بعض الألم أثناء إجراء العملية، وذلك من أجل المحافظة على حياة المريض الذي يقع تحت يديه.
يطرح بلوك وجهة نظر تقول إنّ القيادة تتوجه نحو الحوكمة المؤسسية، بدلاً من ضبط السلوك الفردي، ويسعى هذا النهج لأن يطرح بديلاً عملياً للقيادة التي تعتمد على الهيكل التنظيمي الهرمي في كلِّ مكان. فهذا النهج يحبذ العمل الجماعي عبر خلق وتعزيز شراكة عملية بين أصحاب رأس المال وأولئك الذين ينفذون العمل داخل المؤسسة. وعليه، فإنّ هذا النهج يدعو إلى القضاء على السرية حول معاشات وتعويضات الموظفين وحول خطط المؤسسة، ويدعو إلى إشراك العاملين في صنع القرار وتكوين رؤية المؤسسة ورسالتها، وتوزيع المردودات المالية والصلاحيات بصورة أكثر إنصافاً بين أعضاء المؤسسة. وطبقاً لهذا الطرح، فإنّ كلَّ تلك الإجراءات ستزيد من الشفافية والمساءلة وضبط النفس، في حين سيتقدم العمل أصحاب السلوك الأخلاقي المعتمدون على القيادة الأخلاقية في جميع أنحاء المؤسسة.
هناك منحى طوباوي نوعاً ما في هذه النظرية القيادية التي يتحدث عنها بيتر بلوك، لأنّ اشتراط توزيع الثروة والصلاحية يتطلب إعادة هيكلة طريقة عمل المؤسسات التي تنشط في بيئة خاضعة لاستثمار أصحاب رؤوس الأموال من جانب، وخاضعة أيضاّ لقوانين السوق التي قد تتطلب حسماً في أوقات الكساد وتعثر المشاريع.
على أنّ هذا الطرح يمكن أنْ يتخذ مقياساً لحث المدراء في المؤسسات لأن يلتزموا بأخلاقية المهنة، وأن يقدموا مصلحة المجتمع ومصلحة المؤسسة ومصلحة العاملين على المصالح الشخصية، وأن يبتعدوا عن اتخاذ أي قرار يحتوي على تضارب بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، وأن يستشعروا مبادئ الإنصاف تجاه الآخرين وعدم الانزلاق نحو الغرور والظلم وركوب ظهور الآخرين.
هذه النظرية تتسق مع نظريات أخرى في القيادة، مثل القيادة الخدومة التي يدعو لها كثيرون، والقيادة المبدئية التي دعا إليها مؤلف كتاب «العادات السبع للناس الأكثر فعالية» ستيفين كوفي. ففي العادة الثالثة «ابدأ بالأهم قبل المهم»، يتحدث كوفي عن أهمية «تفويض الأعمال» للآخرين، وأوضح أنّ أفضل أنواع التفويض ما سماه بـ «stewardship delegation»، أو تفويض الساعي، وهو تفويض مع قوامة وإشراف صالح.
وشرح كوفي هذا النوع من التفويض بأنّه يعتمد على إفساح المجال لمن تفوض إليه مهمة ما بأن يحقق النّتائج المرجوة من خلال وضع مؤشرات وقياسات للنجاح والفشل، وأن يكون الشخص الذي أوكل المهمة متوافراً لخدمة من أوكلت إليه المهمة، وأن يمنح هذا الشخص حقّ اختيار الطّريقة التي سينفذ من خلالها المهمة، وأن يتحمل مسئولية النّتائج.
المقال بقلم | منصور الجمري
المصدر